الاكتفاء الذاتي وبناء الاقتصاد في خطاب السيد القائد
“اليمن لا بُدَّ له أن يكون مستقلًا مهما بلغت التضحيات”، هكذا أكد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه الذي القاه بمناسبة جمعة رجب 1441هـ، على أن اليمن لاُ بدَّ له أن يكون بلداً مستقلًا في كافة المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، مهما بلغت التضحيات، ويبين ذلك من منطلق تأكيده بأن: “الهُــوِيَّة الإيمانية عملية تربوية وتعليمية، نحتاج أن نرسخها كعادات وتقاليد ونمط حياة”.
الأخطار على الأمة:
في تشخيص استراتيجي فريد يكشف، السيد القائد أن أكبر خطر على الشعب اليمني في هــويته الإيمانية كان يتمثل في التبعِّية لأمريكا، ويحذر من السماح للأعداء بالتحكم بثقافة وأفكار الأمة، ويبين أن أهداف الأعداء في محاربة الأمة هو ضمان السيطرة التامة والشاملة عليها، بعد سيطرته على أفكارها ومفاهيمها وعاداتها وتغلغل في واقع حياتها، وحينها سيتمكن من السيطرة التامة على الأمة.
وفي هذا السياق، يؤكد السيد القائد أن الأعداء لا يريدون أن تكون هذه الأمة، أمة قوية، مركزاً على الواقع الاقتصادي في أن تصبح الأمة مُجرد سوقًا استهلاكية للآخرين، وأن تستورد كل شيءٍ من الخارج، وذلك من حرصهم الشديد على جعل الأمة رهينةً للاعتماد في كل شيءٍ على الخارج، وأن تكون سوقاً لا أقل ولا أكثر، فهم لا يسمحون أن تمتلك هذه الامة المعرفة، والعلم، والانتاج، وأن تحقق لنفسها الاكتفاء الذاتي، وتكون قويةً بكل ما تعنيه الكلمة في اقتصادها، ناهيك عن قيامهم بنهب الطاقة بشكلٍ خام، من النفط، والمعادن، وكل الخيرات، واستغلالها والاستفادة منها،
وفي خضمِّ ذلك، فإن في القول العربي (ويل لأمَّة تأكلُ مما لا تزرع، وتلبس مما لا تنسج) تأكيداً لأهميَّة الاكتفاء الذاتي الغذائي في حياة الأُمَّم والشعوب، وخطورة الاعتماد على استهلاك منُتجَات الآخرين، وبما أنَّ الشعب اليمني في حالة عدوان، وحصار اقتصادي، من قبل قوى العدوان الأمريكي الصهيوخليجي، التي تسعى على مدى أكثر من أربعة أعوام إلى هزيمته، واستعماره، ونهب ثرواته، لكي تنال منه، وتضعفه، وتجبره على الاستسلام؛ فإِنَّه صار لزاماً عليه العمل بجدٍّ في الجانب الزراعي، واستغلال مواسم الزراعة، وكسر حالة الحصار، بالاعتماد على الله عَزَّ وجَلّ، وعلى النفس.
“الانتماء الايماني” حاجة ضرورية في مواجهة الأعداء:
في سبيل مواجهة كل تلك المشاريع التدميرية للأعداء التي تحمل في طياتها التبعِّية لهم في شتى مجالات الحياة، يبين السيد القائد أهمية دور “الانتماء الايماني” كحاجة ضرورية في مواجهة الأعداء، ويؤكد أن عزة الشعب اليمني تكمن في هــويته الإيمانية، التي تأبى له القبول بالذل، والاستسلام، والخنوع، والخضوع، للأعداء، ولذلك فإن الأمة بحاجةٍ إلى العناية بالهوية الإيمانية، لاسيما وأن الإيمان بمفهومه القرآني الصحيح، وبمنظومته الكاملة هو عنصر خلاص، وحرية، وعامل أساسي لتماسك الأمة، الذي تحتاج إليه الأمة لمواجهة كل التحديات والأخطار المحدقة بها، وتصحيح وضعيتها، وواقعها، وذلك بالاعتماد والتوكل على الله سبحانه وتعالى، والثقة به، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.
ويؤكـد السيد القائد أنه ببركة الهـوية الإيمانية، ستنهض الأمة نهضة حضارية تحقّق لها الاستقلال التام، والحرية والكرامة، حيث أن النهضة الاقتصادية تحتل موقعاً متميزاً، وأساسياً، في المنظومة الإيمانية، ولذلك فإن الجميع معني بالاهتمام بهذا الجانب، وأن عليهم إدراك أهمية ما يعنيه الانتماء الإيماني في هذا الجانب، سيما وأن الأمة المؤمنة معنِّية أن تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
إن الله عَزَّ وجَلّ، قد دعا الأُمَّة إلى الإعداد، الذي لا ينحصر في مجال الإعداد العسكري، والبشري فحسب، بل يمتدٌ إلى مُختلف المجالات، والتي من أهمها، زراعة الحبوب التي من شأنها رفد الأُمَّة المُستهدفة، والمحاصرة، وجعلها في حالة اكتفاء ذاتي من حيث الغذاء، فإذَا كانت الأُمَّة المُستهدفة، والمحاصرة، يعيش حالة اكتفاء ذاتي في غذائها، فَإِنَّ هذا يعتبر من أهمّ العوامل المساعدة التي تجعلها تصمد، وتثبت، في مواجهة العدو، لمدة طويلة من الزمن، إذ يفقد العدوّ عنصر الحصار الذي يُراهن عليه في تركيع الأُمَّة، وهزيمتها.
التوجه إلى البناء الداخلي:
يبين السيد القائد أن الكثير من الحلول للمشاكل الاقتصادية تدخل في إطار المفهوم الإيماني الحضاري، الذي يتجه إلى البناء الداخلي، وبناء عوامل القوة بكافة أشكالها وأنواعها، من منطلق قوله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، ويدعو الشعب أن يتحرر من كل تأثيرات الأعداء السلبية، والمفاهيم الظلامية، وأن يدرك أن جزءاً أساسياً من انتمائه الإيماني والديني، يتعلق بالموضوع الاقتصادي، والنهضة الاقتصادية، وذلك من خلال العمل على توفير كل عوامل القوة من الداخل، والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في السلع الغذائية وكافة مستلزمات الحياة الضرورية.
وفي هذا السياق، يُعَدُّ الاكتفاء الذاتي شرطاً أساسياً لأي دولة تريد أنَّ تتخلص من التبعِّية، والهيمنةِ عليها، حيث يؤدي الاكتفاء الذاتي الغذائي إلى التخلص من التبعِّيةِ السياسية، والاستقلال بالقرار الوطني للبلد، دون وضع اعتبار لمعونات اقتصادية خارجية مشروطة، بانتهاج سياسة خارجية معينة، واكتساب المزيدِ من الحرية، فيما يخص اتخاذ مواقف دولية وفقاً لإرادة الدولة الحرة، وطبقاً لمصالحها، وبالتالي تستطيع الدولة المُكتفية ذاتياً، الاستغناء عن المساعدات الخارجية، مما يؤدي إلى التخلص من التبعِّيةِ، فمن ملك غذاءه، ملك حريته، ومن ملك غذائه، سَلِمَ أمن قراره من الوصاية، والتدخلات في الشأن الداخلي للبلاد، لذلك فإنَّ تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، في الأساس هو امتداد طبيعي للاستقلال السياسي، لأنَّه لا معنى للاستقلال السياسي، والدولة عالة على دول أُخـرى، لتوفير حاجاتها الأساسية، فالدولة التي تملك حاجاتها الأساسية، تملك قرارها السياسي.
المسؤولية على الجميع:
يُشدِّد السيد القائد أن المسؤولية تأتي على الجميع في بناء الأمة البناء الصحيح والقوي في المجال الاقتصادي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، ويبين أن الحكومة والمسؤولين، وكافة أبناء الشعب معنيون بشكلٍ عام في أن يكون البناء الاقتصادي وتحقيق الاكتفاء الذاتي للأمة، توجهاً عاماً، لدى الجميع، ويشير إلى أن البرامج، والخطط، والسياسات، التي اعتمدت في الرؤية الوطنية فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، بحاجة إلى تعاون فعلي بين الحكومة والشعب، وخصوصاً بين الحكومة وأصحاب رؤوس المال والأعمال، لاسيما وأنهم معنيون ويتحملون المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى في أن يسهموا ويتجهوا لتشغيل رؤوس أموالهم في الإنتاج الداخلي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وهنا يبين السيد القائد أن ثمار ذلك ستنعكس على أصحاب رؤوس المال والأعمال، وتحقيق استفادة لهم على المستوى الاقتصادي، وتوفير الكثير من الكلفة والأتعاب عليهم، وفي نفس الوقت قيامهم بخدمة أمتهم، والمساهمة في قوة البلد، وتماسكه.
وختاماً: ومثلما لايزال الشعب اليمني يجاهد، ويتحرك، بقُــوة في مواجهة العدوان الغاشم، ويُقدِّم التضحيات العظيمة، فإِنَّ الاهتمام بالجانب الزراعي لتأمين الغذاء، يعتبر أيضاً من الجهاد في سبيل الله، ومن العوامل المساعدة لنصر دين الله، والثبات في مواجهة أعدائه، ففي ظلِّ الظروف التي يعيشها الشعب اليمني، نتيجة العدوان، والحصار الاقتصَادي المفروض؛ أصبح تحقيق الاكتفاء الذاتي في القوت الضروري، أمراً ضرورياً، لمواجهة الحصار، والاستمرار في التصدّي للعدوان، بل أنَّه أصبح واجباً دينياً، وعملاً جهادياً في سبيل الله، وأمراً تطلبه المرحلة، والظروف.