قوله عليه السلام: (وَجِهَادَ عَدُوِّهَا)، هذا من المهام الأساسية للدولة في النظام الإسلامي، جهاد العدو، وحماية المجتمع المسلم من كل أشكال الاستهداف من جانب الأعداء؛ لأن الأعداء يستهدفون الأمة عسكرياً، وأمنياً، واقتصادياً، وثقافياً، وفكرياً..
بكل أشكال الاستهداف، فلابدَّ من أن يكون هناك عمل كبير ضمن المسؤوليات والاهتمامات الكبرى والأساسية لحماية الأمة، لبناء واقعها لكي تكون أمةً قويةً، عزيزةً، تتمتع بالمنعة أمام أعدائها، لا تكون أمةً مستضعفةً، ذليلةً، يطمع فيها أعداؤها، لا تكون فريسةً سهلةً يسعى أعداؤها لاستغلالها، وللافتراس لها، يكون واقعها بنفسه من خلال بنائها على المستوى العسكري، على مستوى القدرات العسكرية، والإمكانات العسكرية، وعلى مستوى الروح المعنوية، وعلى مستوى- كذلك- القوة العسكرية فيما يتعلق بالجيش، فيما يتعلق بالتعبئة العامة… فيما يتعلق بكثير من التفاصيل ذات العلاقة التي سيأتي الحديث عنها بشكلٍ تفصيلي.
ما يتعلق أيضاً بحمايتها أمنياً، الأمة تحتاج إلى الحماية الأمنية، العدو يستهدفها بالاغتيالات، بالتفجيرات، يستهدفها بكل وسائل الاستهداف، في زمننا هذا تطورت وسائل الاستهداف، بأكثر من أي زمنٍ مضى، فالأمة بحاجة إلى الحماية على المستوى الأمني، بحاجة إلى الحماية على المستوى الثقافي والفكري والإعلامي؛ لأنها مستهدفة في ذلك بالحرب الناعمة، مستهدفة، يسعى العدو إلى إضلالها، يسعى العدو إلى إفسادها، يسعى العدو إلى تدمير قيمها المعنوية؛ حتى يتمكَّن من السيطرة عليها؛ لأن العدو يعرف أنَّ من أهم عوامل القوة والمنعة، هو العامل المعنوي، إذا كانت الأمة تحمل الإيمان، تحمل القيم العظيمة، تحمل المبادئ العظيمة التي تحصِّنها من أعدائها، تجعلها على المستوى المعنوي والعملي في مستوى أن تتحرك لمواجهة التحديات والأخطار، والتصدي للأعداء مهما كانت التضحيات، مهما كانت المخاوف، مهما كانت الصعوبات، فالعدو يستهدفها، فالأمة تحتاج إلى عمل واسع تحت عنوان الجهاد، الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى هو أساساً لحماية الأمة؛ لأن الجهاد ليس للدفاع عن الله، هو الغني، هو القوي العزيز، ولكنه وسيلة لدفع الشر، لدفع الفساد، لدفع الطغاة والمجرمين، لحماية عباد الله المستضعفين.
(وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا)، من المهام الأساسية التي هي متعلِّقة بأداء الدولة في النظام الإسلامي: العمل على إصلاح المجتمع؛ ليكون المجتمع مجتمعاً صالحاً، هذه من المهام الرئيسية، أن يكون هناك عناية كبيرة بالمجتمع، كباراً وصغاراً؛ لكي يكون مجتمعاً صالحاً، مجتمعاً من خلال التربية الإيمانية، من خلال التعليم النافع الصحيح، من خلال العمل الإعلامي، من خلال البرامج العملية الواسعة، يكون مجتمعاً صالحاً، تربى على الإيمان، على القيم الفضلى، والقيم العظيمة، على مكارم الأخلاق، على الاستقامة السلوكية والعملية، هذا ما لابدَّ منه لتصلح حياة المجتمع، لكي يكون مجتمعاً بعيداً عن الرذائل، عن الجرائم، عن المفاسد، التي تشكِّل خطراً عليه، وعلى حياته، وعلى استقراره، وعلى نظامه العام، فلابدَّ من أن يكون هناك اهتمامات واسعة: تتعلق بالتربية الإيمانية، تتعلق بالتعليم النافع الصحيح، تتعلق بالبرامج العملية، تتعلق بالنظام نفسه، الذي يكون نظاماً يساعد على صلاح المجتمع، يتصدى لكل أشكال الفساد، لكل أشكال المنكر، لكل أشكال المؤامرات، التي تستهدف المجتمع لإفساده، أو لتضليله، أو لنشر الرذيلة فيه، أو لنشر الجرائم فيه، والمجتمع أيضاً بحاجة إلى البناء والتأهيل، الإسلام يأخذ بعين الاعتبار العناية بالإنسان لبنائه وتأهيله، ليسمو، لتتكامل له انسانيته، ليؤدِّي دوره في الحياة كمستخلفٍ لله في الأرض على أرقى مستوى، وهذا التأهيل يحتاج إلى مبادئ، إلى قيم، يتربى عليها الإنسان، تترسخ في وجدان الإنسان قناعةً وإيماناً، يحتاج إلى اكتساب مهارات عملية تساعده لكي يكون بهذا المستوى الفاعل في أدائه، وفي النهوض بمسؤولياته، وفي القيام بدوره كخليفةٍ لله في الأرض.
وللإسلام مشروعه الحضاري المتميز، الذي يختلف عن أي حضارةٍ أخرى؛ لأنها حضارة تأخذ بعين الاعتبار السمو بالإنسان، ليست عمارة مادية بحتة، تبني العمران، وتهدم قيم الإنسان، هي تبني الإنسان، فيبني الحياة على أساسٍ صحيح، وعلى أساسٍ من القسط، وبشكلٍ راقٍ، وإلَّا فإذا لم يلحظ هذا في واقع الإنسان مهما كانت الحضارة على المستوى المادي عملاقة، فهو في واقع حياته سيشقى، يشقى بانتشار الرذائل، بانتشار الجرائم، بانتشار المفاسد، كما يحصل مثلاً في الغرب؛ لأنه لاحظ جانباً واحداً من جوانب الحضارة، وهو الجانب المادي، وأهمل الجانب الآخر.
(وَاسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلَادِهَا)، وهذا يشمل كل الجوانب الخدمية التي تتعلق بخدمة المجتمع، الخدمية بكلها، والاقتصادية، والنهضوية، والعمرانية، فهي عبارة تشمل جوانب كثيرة، وستأتي الكثير من التفاصيل التي تتعلق بهذه العناوين الأربعة.
الدرس الأول من محاضرات السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي من دروس عهد مالك الأشتر 1443 هـ -2022م