منهجية”فتبينوا” بين دروس نبي الله داوود وعهد ولي الله علي بن ابي طالب
لم يستطع عزيز مصر وزوجته ان يخمدوا فضيحتهم وفشلهم وعارهم الا بحباكة تهمة ضد يوسف عليه السلام مرتبطة بالشرف والعار من منطلق ان الفطرة البشرية تنفر وتتضايق من الممارسات اللأخلاقية للمنحرفين ثم جاء الصهاينة ليمارسوا نفس الأساليب ضد أعداءهم وللأسف انتشرت هذه المنهجية داخل المجتمع الإسلامي بل وداخل المجتمع اليمني ولهذا جاءت التربية الدينية في عهد النبي داوود ثم في عهد النبي محمد ثم في عهد الامام علي عليهم جميعا افضل الصلاة والسلام لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة والخبيثة.
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْـمِحْرَابَ) هل أتاكم ايها المسئولون خاصة اولئك الذين يزينون مسئوليتهم بالتدين الديكوري المرتبط باللفظ والمظهر ما أتى نبي الله محمد نبأ الخصم الذين ذهبوا الى نبي الله داوود ليحكم بينهم فكان ان تسرع النبي في اصدار الحكم قبل ان يستمع للاخر مكتفيا بالاستماع للأول وعلى الرغم ان القضية لم تتجاوز شاة واحدة مقابل ٩٩ شاة للاخر اي بنسبة ١٪ وايضا كان الاخر متواجدا معهم وعلى الرغم ان نبي الله داوود لم يكتف بالحكم بل اعطاهم موعظة ودرس ثقافي ضمن اطار دعوته لله وتهذيب الناس وتزكيتهم( قَالَ لَقَدْ ظَلَـمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) الا ان كل ذلك لم يشفع له من ان يؤنب من الله تأنيبا شديدا لانه لم يستمع للاخر حتى لو قد اتضحت الصورة كاملة وحتى لولم يكن لكلام الاخر اي فائدة او إضافات فكان هذا التصرف من قبل داوود معصية وجبت ان يتوب عنها داوود وان يغفرها الله (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩) فجاءت المغفرة من الله ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ) فأسماه الله هوى وضلال والنتيجة عذاب شديد لمن لا ينتهج هذه المنهجية.
نبي الله محمد جاءته تعليمات وتوجيهات قرانية له وللمؤمنين بأن ينتهجوا منهجية التبين وعدم التسرع في الحكم عندما تأتيهم أخبار ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) خاصة الاخبار السلبية التشويهية التي تتعلق بأشخاص اخرين ومن يتصرف هكذا موصوف من الله بصفة الجهل ونتثجة العمل هذا (الندم).
الإمام علي عليه السلام في عهده لمالك الاشتر ايضا تحرك في مسار الانبياء من خلال الاهتمام بهذه النقطة من خلال وضع رؤية عميقة وثابتة للمسئول ( وَلاَ تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاع، فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌ، وَإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ) حيث شدد الامام علي على عدم الاستعجال بل الاستبيان حتى لو كان ناقل الأخبار هذا يقدم الخبر على شكل نصيحة بل عليه الاستبيان ، ثم كرر الامر بالروية والإستبيان خلال عهده لمالك الاشتر بقوله(وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنِّ وَال بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ) اي بديلا عن سوء الظن من خلال تصديق الاخبار السيئة عن الاخرين الى حسن الظن بهم ثم بعد ذلك يبدأ بالتبين لان ذلك له ثمار عظيمة له كمسئول تتلخص في (فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلاً) ويحفظ المسئول من السقوط في المحرمات والجهل .
التشديد الكبير من الله ومن اولياءه على هذه الامور لما للوالي او المسئول سلطة في الآخرين لذا يجب ان تكون هذه السلطة لما تبني الناس كما بدأ بها الامام علي في عهده بقوله (واستصلاح اهلها) وليس لإهلاكهم والتشكيك بهم وسوء الظن بهم لان هذه لها نتائج سلبية (فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) والندم هنا ليس مجرد حالة مؤقتة نفسية وهزوزة رأس وكلمة استغفر الله في اللسان بل ان الندم له عواقب دينية ودنيوية واخروية وضحتها الايات السابقة لذا جاءت المعالجات الشاملة من قبل الإمام علي لهذه الظاهرة والتي يجب على كل مسئول مازال يتقي الله ويخشاه ان يلتزم بها وان يعلم بأن الله يرى وذلك كالتالي :-
– استبعاد أناس محددين يمتلكون صفات سيئة( وَلْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ، وَأشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ، أَطْلَبُهُمْ لِمَعَائِبِ النَّاسِ) سواء كانت هناك معائب حقيقية او مجرد اكاذيب خاصة وهؤلاء لن يفيدوا المسئول في بقية الأمور الاخرى لان همه كشف معايب الناس والتجسس عليهم .
– (وَلَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَة عَلَى ظُلْم، فَإِنَّ اللهَ سَميِعٌ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِينَ) وذلك من خلال التوبة والرجوع عن الاخطاء التي اقترفوها سابقا كما عمل نبي الله داوود عندما خرب واناب لله مباشرة وعاد عن خطأه والذي كان سيجلب سخط الله عليه وهي رسالة لكل مسئول يمتلك زمام الحكم والقدرة والسيطرة والارادة على الاخرين .
– (وَلاَ تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاع، فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌ، وَإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ) بل الروية والتبين حتى لو كانت الامور بسيطة جدا متعلقة بحيوان وليس حتى بإنسان كما جاءت قصة الخصم عند نبي الله داوود .
– (، ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ، وأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيَما يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللهُ لاَِوْلِيَائِهِ، ) وهذه من اهم صفات الحاشية المستشارين الذين يجب ان يقربهم المسئول منه وهو الذي يقول الحق في وجه المسئول والسبب ان ذلك سيشكل حصنا ووقاية للمسئول من الزلل والسقوط حتى لو شعر المسئول بمرارة وألم من الحق هذا وصاحب الحق .
– (وَلاَ يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْم دُونَ أَقصَاهُ، أَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ) مما ذكر في مواصفات القضاة والمسئولين والذي يشدد على عدم اهمال حتى ابسط الامور في مسيرة الحكم بين الناس فكيف عندما تأتي اليك قضية من طرف واحد فتحكم على الناس من خلالها دون ان تستمع للاخر غارقا في الشبهات دون ان تهتم بعواقبها .
لذا لا يمكن بأي حال من الاحوال ان نعذر بعد اليوم أي مسئول يسقط في هذه الزلات بعد ما قدمه ويقدمه السيد عبدالملك الحوثي حفظه الله في هذه الدروس اليومية المتعلقة بعهد الامام علي لمالك الاشتر فالهدف ليس مجرد استماع و معلومات وانما تهذيب وترجمة لسلوكيات ثم عمل فلا عذر لاي احد بعد اليوم .
(لمتابعة مقالاتي ومحاضراتي وخطبي السابقة والتعليق عليها على الرابط
Telegram.me/goodislam )