مواصفات مدير المكتب مابين عهد الامام علي وواقع العمل الحكومي
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
مدير مكتب المسئول أصبح في واقعنا العملي الوظيفي هو الرجل الثاني في الجهة بعد المسئول نفسه وفي بعض الأحيان يصبح الرجل الاول وفقا لما تقتضيه رؤية المسئول لإنجاز المهام التي تلقى على عاتقه فيضع غالبية المهام خاصة الادارية على مدير المكتب بما يتجاوز غالبا مسئوليات مدير المكتب عوضا عن انه الوسيلة الوحيدة التي يمكن لأي انسان اخر سواء كان موظفا في الجهة التي يديرها او من خارجها ان يصل الى المسئول وهذا بطبيعة الحال يخضع لعدة عوامل منها رضا مدير المكتب وسخطه ، قبوله ورفضه ، مزاجه وغيرها من عوامل هي التي تحدد من يدخل الى المسئول ممن لا يدخل بغض النظر عن اهمية وضرورية العمل ، ولأن مهام ومكانة مدير المكتب ذات اهمية قصوى سواء للمسئول او للناس او للموظفين فإن الإمام علي عليه السلام في عهده لمالك الأشتر لما ولاه مصر واعمالها والتي يفصلها هذه الايام السيد عبدالملك الحوثي حفظه الله قد تحرى وبشكل كبير على هذا الجانب وفي مواصفاته لأنه مهما كان المسئول عمليا ومتواضعا ونزيها وكان في مدير مكتبه خللا ما فإن ذلك سيؤثر على المسئول وعلى المجتمع لأنه حلقه الوصل بين الجميع لذا كانت اهم مواصفات الامام علي عليه السلام كالتالي :-
١.أخير الناس (فول على أمورك خيرهم) لان الانسان الذي تنعدم فيه صفة الخير مهما كانت بقية صفاته لا فائدة منه على المستوى الانتاجي والخدمي من منطلق المسئولية التي هي ملقاه على عاتق هذه الجهة عوضا عن ان منعدم الخير لن أمينا على اسرار العمل وسيكون تحركه العملي وفقا لنتائجه الشخصية فتتناقص همته واداءه وتنحرف عن مسارها السليم فيحصل الخلل الكبير .
٢.الأخلاق (بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُودِ صَالِحِ الاَْخْلاَقِ) لأن عديم الأخلاق تنحرف اهتماماته العامة الى الخاصة فيهيأ كل الظروف والتحركات الى ما تخدمه هو شخصيا فيتنمر حتى على المسئول المباشر عليه خاصة في حاله وجود مسئول ذو شخصية مهتزة ضعيفة فيتحول مدير المكتب الى المسئول الاول فيتمادى على المسئول بعد ان يتلاشى الاحترام من قلبه له (فتبطره الكرامة) لانه يرى نفسه له منة وفضل على المسئول الأول .
٣.ملتزما مطيعا لاوامر المسئول وان اراد اضفاء تعديل ما على مايراه المسئول عليه ان يقدمها موضحا اسبابها دون ان يغير في قراراته وتوجيهه شيئا الا بالرجوع اليه .
٤.أمينا بحيث انه لا يغش المسئول فيما يصدر اليه من معاملات ومطالب واراء الناس ولا يغش الناس والموظفين فيما يصدر من المسئول اليهم
٥.واعيا متعلما فاهما لأن الجاهل لقدر نفسه هو بغيره أجهل وسيرتد جهله على المسئول بل وعلى الجهة ككل كما نسمع دائما عن ان كثير من الناس تصب جم غضبها على مدراء المكاتب .
٦.أن يكون اختيارهم ليس لمجرد المظاهر الخارجية والتي غالبا ما يتصنع الناس حسن اداءهم واخلاقهم بل وضع الامام علي عليه السلام نصائح في ذلك لعل اهمها من كان في سيرته العملية السابقة حسن الاداء والاخلاق والاخلاص ثم اختبرهم لاداءهم .
٧.ألا يكون من الذين يطلبون معايب الناس كما وضحها الامام علي في بداية عهده عندما قال (وَلْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ، وَأشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ، أَطْلَبُهُمْ لِمَعَائِبِ النَّاسِ) وهذا التوجيه اكثر منهم معنيون به هم مدراء المكاتب لانهم اكثر الناس من يؤثروا على المسئول حيث ان الذي يمتلك هذه الصفات سيكون كارثة على الجهة ومسئولها والناس .
٨. ألا يكون ساعيا بالاخبار خاصة السيئة منها (وَلاَ تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاع، فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌ، وَإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ) وغالبا الاخبار التي تصل الى المسئول تكون طريقها مدير المكتب سواء كان هو مصدرها او كان هناك اخرون يريدون ان يوصلوا الاخبار الى المسئول .
وغيرها من مواصفات يجب على كل مسئول ان يتحرى في يحثه عمن يمتلك هذه المواصفات وتربيتهم وتذكيرهم من خلال الدورات الثقافية الدورية لاننا للاسف الشديد نعيش واقعا ماساويا في جانب مدراء المكاتب والتي تخالف ما ذكره في عهد الامام علي وشرحه السيد عبدالملك جملة وتفصيلا ونذكر بعضا منها كالتالي :-
١.غالبا ما يتم اختيار مدير المكتب وفقا لاهواء واهداف المسئول الشخصية دون ان تكون المقاييس المذكورة اعلاه اي معيار في ذلك لذا نجد انه يتغير مدير المكتب بمجرد ان يتم تغيير المسئول حيث يأتي الجديد بمدير اخر كونه غير واثق من السابق بل ويحمل اهدافا واهواء جديدة وهكذا.
٢.يخضع معظم الموظفين في الجهة لمدير المكتب ويوالونه اكثر من تبعيتهم للمسئول الاول لانهم يعرفون تمام المعرفة ان رضا مدير المكتب هو ما سينفعهم وان سخط مدير المكتب هي الكارثة عليهم حتى وان كان الموظف ذو درجة رفيعة اعلى من درجة مدير المكتب كنائب او وكيل .
٣.نجد كثيرا منهم غاشين للمسئول من منطلق أنهم من يوصلوا الاخبار والتقارير او توصل الاخبار والتقارير عبرهم الى صاحب القرار الاول في الجهة ووفقا لها يتم التعاطي من قبل المسئول دون ان يكون هناك (فتبينوا)
٤.يجدول معظم معاملات الناس حسب اهواءه هو فيقدم من يريد ويؤخر من يريد لذا تتجه قلوب الناس اليه لانه اسرع الطرق الى مصالحهم سواء كانت حقه او غير حقه .
٥. يكون كثير منهم متعاطي مع فساد الفاسدين من المسئولين لذا يكون هو اداته لذلك وحلقة الوصل والمسهل لكل هذه الامور لذا نجد كثير من المسئولين يتشبث بمدير مكتبه اشد من تشبثه بالصلاة والصيام بل ان بعضهم يضع استقالته بعودة مدير مكتبه اذا ما تم اقالته من السلطات العليا لاسباب تتعلق بالفساد او اي اسباب اخرى لإدراكه ان ذلك سيضر به اولا وهنا تأتي ما تسمى (تكتل الفساد وتعاضده)
٦.يلجأ كثير من المسئولين خاصة المدراء الماليين لإستجلاب رضا مدير المكتب واضافة اسمه في كشوفات المكافئات والحوافز بحق او بدون حق لان ذلك اسهل الطرق لينال الكشف توقيع المسئول فتكون معظمها غير مستندة الى مواضيع حق وانما الى اعتبارات خاصة فيزداد التكتل توسعا هنا بين هذه الجهات.
٧.يصبح مدير المكتب المستشار قبل المستشارين والنائب قبل النائب والوكيل قبل الوكلاء والمدير العام قبل المدراء والموظف قبل بقية الموظفين عند المسئول الاول فيبقى الاخرين فقط مجرد واجهة تعلق عليها اي اخفاقات او اهمال او غير ذلك .
وغير ذلك من احداث الكل عايشها ومازال يعيشها جراء الانحراف عن الإمام علي عليه السلام وعن موالاته موالاة حقيقية عملية وعن حبه حبا سليما عمليا وعن اتباعة انباعا سديدا لذلك وجدنا عددا من المسئولين كانوا ذو سمعة طيبة قبل المسئولية وبمجرد ما تربعوا على العمل انحرفوا بشكل كبير ومفجع يأتي مدير المكتب وعدم الاختيار الموفق له في القائمة لهذا الانحراف لانه لم يكن امينا ولم يكن ذا خلقا ولم يكن ذا دينا بل كان غاشا وذا اهدافا شخصية ، فهل يا ترى تكون دروس السيد عبدالملك الحوثي سلام الله عليه مرحلة لتصحيح كل الاخطاء السابقة في هذا الجانب وبقية الجوانب ام ان الكثير من المسئولين ومدراء مكاتبهم سيكتفون بالصرخة بعد المحاضرة وهزوزة الرأس التي تدل على انهم تأثروا ثم يرمونها كاملة وراء ظهورهم ويستمرون في ظلم الناس والتعبث بهم.