حان وقتُ السلام
منصور البكالي
في السنوات الأولى من العدوان الأمريكي السعوديّ على شعبنا اليمني كان الحديث عن السلام نوعاً من التمني وضرباً من الخيال أَو المستحيل الذي يتوقف فكر المستضعفين المسحوقين من أبناء شعبنا اليمني عنده، حين كانت قوى العدوان ومرتزِقتهم في أوج قوتهم وعنفوانهم، وكانت المجازر والجرائم الوحشية المرتكبة من قبلهم بحق الأطفال والنساء وبحق كُـلّ فئات الشعب ومختلف مكوناته لا تكاد تتوقف يوماً واحداً.
أما اليوم وبعد ثماني سنوات من العدوان والحصار والفشل المتكرّر والهزائم المتلاحقة التي منيت به قوى تحالف العدوان وأدواتها العميلة، في مختلف الجبهات والمحاور، وتعاظم خلالها رصيد الرد والردع بوسائله وإمْكَانياته العسكرية للجيش اليمني ولجانه الشعبيّة قبل دمجها، وبتجاسر صمود شعبه الأبي والشجاع والكريم بقوافل الرجال والمال والتضحيات، بات السلام حقيقة ثابتة وممكنة وبسيطة، بل تحول إلى أمنية يسعى إليها الطرف الخاسر بغطرسته وبغيه وغبائه وحصاره وعدوانه الذي وصل به إلى الفشل الذريع أمام الداخل والخارج، وأبطل كُـلّ ذرائعه الزائفة التي كان يسوقها للرأي العام بعد كُـلّ جريمة من جرائمه الوحشية التي أمعنت في قتل آلاف اليمنيين تحت أسقف منازلهم وفي طرقهم ومزارعهم ومستشفياتهم ومدارسهم وصالات عزائهم وأفراحهم وفي كُـلّ مكان يتيح لهم الحياة فيه.
هذا ما أكّـدته مضامين خطاب رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، في الذكرى الثامنة لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر الخالدة، الذي كان من جملها هذا العنوان العريض والمؤكّـد “حان وقت السلام” بل وفي كُـلّ النقاط التي أكّـد عليها الخطاب التاريخي، حين قال وبثقة تناطح الجبال ومستمدة من الميدان والعروض العسكرية والأمنية والشعبيّة التي أربكت قوى العدوان وأدواتها وأصابتهم في مقتل: “من هنا أعلن لشعبنا اليمني العزيز بكل ثقة عن انتقال ثورته الخالدة من طور الصراع والقتال؛ مِن أجلِ الوجود والبقاء إلى طور الثورة التي جاءت لتبقى”، داعياً الأطراف الداخلية التي تشارك الغزاة والمحتلّين قتل شعبها وحصاره، إلى الانتقال المشترك من استراتيجيات الحرب والسياسات العدائية إلى استراتيجيات وسياسات السلام، والأطراف الخارجية إلى دعم خيارات السلام الجاد والحقيقي وتصحيح المنطلقات والابتعاد عن التوصيفات الكاذبة والمتنافية مع الواقع والمنطق والقوانين والتشريعات والمواثيق الدولية.
إضافة إلى تقديمه مبادرات تعاون جادة لخلق أجواء داعمة وإجراءات عملية تعزز بناء الثقة شملت الجانبين الإنساني والاقتصادي، والتأكيد على الجهوزية التامة في إنجازها تمهيداً للانتقال إلى وقف إطلاق نار دائم، حسب وصفه.
توقيت هذه الدعوة وهذا التأكيد المتزامن مع الذكرى الثامنة لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر التي عرض خلالها أضخم عرض عسكري عرفته المنطقة العربية بترسانتها البرية والجوية والبحرية المتقدمة والحديثة وبصناعة يمنية أفشلت كُـلّ أسلحة العدوّ الدفاعية والهجومية، وتغلبت عليها في العمليات السابقة، وتملك قدرة الوصول والتدمير لأية أهداف حساسة في عمق العدوّ وأدواته وحلفائه بما فيهم كيان العدوّ الصهيوني وكلّ الأساطيل الأمريكية البحرية المتواجدة في باب المندب والمياه الإقليمية، تعبر عن التقييم السليم لمدى الخضوع الأمريكي ومساعيه اللاهثة خلف تمديد الهُــدنة والهروب من استمرار الردع اليمني إن استمر الحرب والحصار، هذا من ناحية ومن ناحية أُخرى يعبر عن أدراك القيادة السياسية والثورية والعسكرية في صنعاء لما وصلت إليه ثورة الشعب المباركة وما حقّقته من إنجازات يخر لها طواغيت العالم ساجدين.
فبين الأمس واليوم بات السلام في نظر صنعاء وكلّ أبناء الشعب اليمني الصامد استحقاقاً دينياً وقيمياً وقرآنياً حتمياً من استحقاقاتهم الموعودين بها من السماء، واستحقاق ثورتهم وتضحياتهم على الأرض، وثمرة لحنكة قيادتهم ومهارة سواعدهم المصنعة والمطورة للسلاح والقابضة على الزناد.