المناطقُ المحتلّة.. معاناةٌ تتفاقمُ ومأساةٌ لا تنتهي
دينا الرميمة
جميعنا من على هذه الأرض ننشد الأمان ونسعى لتحقيقه في أنفسنا وَعلى الأرض التي نحيا فيها ونبذل أرواحنا رخيصة حتى لا يسلب منا، فغياب الأمان معناه موت الحرية وَوأد للكرامة التي هي من أُمهات حقوقنا، وَكلما شعرنا به تزداد لدينا درجات الشعور بالانتماء لهذه الأرض فنسعى جاهدين لمسابقة الزمن في إعمارها ورفع العجلة الإنتاجية فيها وتحسين مستوى العيش فيها حتى تخلد كرمز على جبين التاريخ.
ولنا في رسولنا الكريم أسوة حسنة حين فقد الأمان على أرض مكة التي قال بأنها أحب أرض الله إليه، لكن لم يجد من أهلها القبول لدعوته وصار مع أتباعه الأوائل عرضة للأذى والتعذيب في محاولة لوأد الرسالة المحمدية، ما جعلهم يهجرونها ويهاجرون إلى المدينة المنورة هناك، حَيثُ استقبلتهم الأرض ومن عليها وحفهم أمنها وأمانها، لذا فقد اتخذوا منها عاصمة عليها أسسوا أعظم إمبراطورية إسلامية وعليها طاب المستقر وَالمقام!!
بمعنى أنه عندما يغيب الأمان عن أية أرض تضيق على أصحابها فيفقدون رابط الانتماء وَالولاء لها وخَاصَّة حين يتولى أمرها حكام ظالمين أَو تدوسها قدم محتلّ يسعون لفرض سيطرتهم بالقوة ما يجعل الحياة عليها ملؤها الذل والامتهان، وهذا للأسف ما تعيشه بعض المدن اليمنية التي فتحت أبوابها للمحتلّ وتجند أبناؤها تحت لوائه مقابل بعض من الريالات والدراهم ودفع الكثير منهم حياته لفتح حدودها أمام الغزاة في أقسى مشهد عاشته اليمن من خيانة الأقربين الذين طعنوّها في خاصرتها وتسببوا في تقطيع أوصالها حتى أصبح جزءاً منها لقمة سائغة يلوكها المحتلّ السعوديّ والإماراتي اللذين لا يتجاوز أعمار ممالكهم إلا بضعة عقود مقارنة باليمن التي عمر حضارتها آلاف السنين وكانت مقبرة لكل محتلّ وطامع وداست أحلامهم تحت أقدام أبنائها ذوي البأس الشديد.
وعلى حين غفلة خذلت حين ظن البعض من مثقوبي الذاكرة أن المحتلّ سيأتي حاملاً معه بعض من رفاهية البترودولار التي تتمتع بها دولهم حديثة النشأة، متناسين حجم الإذلال الذي تعيشه شعوبهم، وكيف لمن يصادر حرية شعبه أن يهبها لشعب يكن له الحقد وطامع بأرضه؟؟
وها هم اليوم يدفعون ثمن تفريطهم بكرامة أنفسهم قبل أرضهم ذلاً وهواناً وحياة لا سبيل للأمن فيها، خَاصَّة في ظل الحرب الاقتصادية التي أرادوا بها معاقبة صنعاء وَبقية المدن الرافضة لهم، فكانت المدن التي تحت سيطرتهم ورحبت بهم وشكرتهم على جرائمهم هي الأكثر ضرراً بعد أن انهار الريال اليمني وارتفعت الأسعار بشكل جنوني!!
إلى جانب ما تقترفه أيادي مليشياتهم من جرائم بعد أن سلحهم المحتلّ بسلاح المناطقية والعنصرية قبل السلاح العسكري فعاثوا بالأرض الفساد وجعلوها بؤرة للجريمة بشتى أنواعها كان آخرها قتل موظف تابع لمنظمة الغذاء العالمي في تعز وهو فعل بلا شك سيتأثر به جميع المستفيدين من المنظمة..
وفي ظل هذا الوضع المزري الذي تعيشه المناطق المحتلّة تحضرتني صنعاء التي منذ بداية العدوان والعدوّ يحاول جاهداً سلبها أمنها وكانت أكثر المدن التي تعرضت للقصف إلَّا أنها وفي ظل ما مر به اليمنيون من الحرب والنزوح وَالتهجير وغربة الروح التي ربما هي أصعب من غربة الجسد، كانت الملاذ الآمن والحضن النابض بالأمان ضمت جميع أبناء اليمن من كُـلّ المدن التي مسها ضر العدوان واحتوت إحساسهم بالقهر والخوف والغربة واستبدلته بالأمان والحرية ووهبتهم كُـلّ الخير، وكان أهلها خير الأهل الذي استضافوا الجميع ونعم الأهل كانوا ولا يزالون عوضاً عن من كانوا يُعدون الأهل والأصحاب فخانوا وعابوا وغدروا وتنكروا لكل السنين التي عاشوها سوياً وصاروا العدوّ القاتل والصاحب الشامت!!
فلكم يا أهل صنعاء كُـلّ الود يا خير الناس وأجودهم وأكرمهم.
ونامل من أهلنا في المناطق المحتلّة أن يثوروا ثورة الحر لاستعادة كرامتهم لا ثورة جياع تنتهي بإشباع بطونهم من هبات المحتلّ وَإلا فلا خير فيهم ولا بثوراتهم.