أكاذيب مفضوحة للإمارات للتغطية على انتهاكاتها لحقوق الإنسان
يروج النظام الحاكم في دولة الإمارات لسلسة أكاذيب في محاولة مفضوحة للتغطية على انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان خاصة الاعتقالات التعسفية على خلفية حرية الرأي والتعبير.
ويستمر النظام الإماراتي في محاولات تبييض صورته أمام المواطنين والعالم بشأن احترام حقوق الإنسان، وأخرها في اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يوافق العاشر من ديسمبر/كانون الأول من كل عام.
ونشرت وسائل الإعلام الرسمية تصريحات من الشرطة وأجهزة الأمن أن “الإمارات تجعل من حماية واحترام حقوق الإنسان مرتكزاً أساسياً ضمن رؤيتها المستقبلية”.
وزعم عبدالله خليفة المري القائد العام لشرطة دبي أن الإمارات “تستمد من إرث الآباء المؤسسين ثقافة العيش المشترك المبنية على مفهوم احترام الآخرين والتسامح، وتوفير الحياة الكريمة لجميع القاطنين على أرض الدولة من مواطنين ومقيمين مما جعلها نموذجاً يحتذى به ومحل إشادة دائمة من قبل المنظمات الدولية”.
وعلى عكس ما قاله “المري” معظم المنظمات الدولية المعروفة بما في ذلك الأمم المتحدة وهيومن رايتس ووتش والعفو الدولية تؤكد أن الإمارات ضمن الدول التي تملك أسوأ السجلات في ملف حقوق الإنسان.
أما مدير عام شرطة أبوظبي اللواء ركن طيار فارس المزروعي فتحدث في كلمة عن ما أسماها “الإنجازات المتلاحقة التي تحققها الدولة في مجال حقوق الإنسان وانتهاجها مبادئ العدالة والمساواة ومراعاة حقوق الإنسان والعمل الإنساني”.
وبغض النظر عن رؤية هذه الإنجازات في سجون جهاز أمن الدولة إلا أن قيام الصحافة بأخذ تصريحات للشرطة في ملف حقوق الإنسان ليس بغريب فلا توجد منظمات مجتمع مدني مستقلة معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، وهو ما يؤكد أن أي حديث عن “تلاحق الإنجازات في مجال حقوق الإنسان” يهدف لبيع “الوهم”.
فالحقائق تثبت أن ملف حقوق الإنسان في الدولة ليس كما وصفه رجال الشرطة والأمن إذ أن الوضع سيء للغاية، وكل يوم يزداد سوءاً فكل شعارات التسامح والسعادة تتبخر أمام ملف يحمل كل درجات السوء.
إذ يمارس جهاز أمن الدولة التنكيل بالناشطين المدنيين السلميين والمدونين على شبكات التواصل الاجتماعي، بلافتات متعددة “محاربة الإرهاب، الخطورة المجتمعية، محاولة الانقلاب، الإساءة لدولة حليفة، إهانة الرموز”، لكن كل تلك الاتهامات التي شرّعها جهاز الأمن بقوانين سيئة السمعة تناقض الدستور والأعراف والتقاليد الإماراتية والمواثيق الدولية، مثل قوانين “العقوبات، الجرائم الالكترونية، مكافحة الإرهاب” سرعان ما ظهر زيفها للإماراتيين والمراقبين الخارجيين في المنظمات الدولية الذين ترفض السلطات حتى دخولهم إلى أراضيها من أجل التحقيق.
ولا تمارس السلطات الانتهاكات فقط عند الاعتقال والاحتجاز الذي يستمر أشهر في سجون سرية يتعرض خلالها المعتقلون للتعذيب بل تستمر في ممارسة الانتهاكات بعد إصدار الأحكام السياسية. وسبق أن أضرب عدد من المعتقلين العام الجاري عن الطعام بسبب الانتهاكات.
وتستمر إدارة سجن الرزين بمنع الناشط والمحامي البارز الدكتور محمد المنصوري (المعتقل منذ 2012 والذي حكم عليه ضمن المحاكمة السياسية الجائرة “الإمارات94”) من زيارة عائلته والاتصال بالعالم الخارجي منذ أكثر من سنة كاملة رغم حضور أفراد عائلته وقطعهم لمسافات طويلة وانتظارهم في كل زيارة ساعات طويلة أمام بوابة السجن.
ويعاني الناشط الحقوقي البارز الحاصل على جوائز أحمد منصور من انتهاكات عظيمة داخل السجن بعد أن حُكم عليه عام 2018 بالسجن عشر سنوات بسبب تغريدات على تويتر تتضامن مع المعتقلين.
وأضرب منصور عن الطعام مراراً بسبب تعرضه للضرب وانتهاك أدميته ومنعه من الملابس والفرش بعد رفض إدارة السجن إخراجه من “جناح العزل بسجن الصدر في أبو ظبي، حيث يُحتجز في زنزانة صغيرة بلا سرير أو مياه جارية، ولا يُسمح له بالمغادرة مطلقًا”. وأدى ذلك إلى “تدهور حالته الصحية مجددا وفي أضرار بدنية جسيمة ومنها انخفاض الوزن وضعف النظر وصعوبة الوقوف بمفرده.”
لا تكتفي السلطات بسجن الإماراتيين والمقيمين بأحكام سياسية، بعد تعذيبهم في سجونها السرية والانتهاكات في السجون الرسمية، بل أيضاً تقوم باحتجازهم بعد انتهاء أحكام السجن السياسية في ما تصفه “بمراكز مناصحة دون وجه حق بدعوى تأهيلهم دينيا واجتماعيا”.
ويوجد الآن 10 معتقلين سابقين على الأقل في هذه المراكز بعد أن أفرجت عن ثلاثة ضمن حملة علاقات عامة وتحسين سمعة بعد الضغط المحلي والدولي.
وترويج النظام الإمارات للأكاذيب بشأن ملف حقوق الإنسان وارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق المعتقلين السياسيين، يكشف مدى سطحية جهاز الأمن وخوفه من مواجهة أفعاله التي يرتكبها ضد الإماراتيين.
في هذا السياق نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية مقالاً للناشطين والكاتبين “إياد البغدادي” -الذي سبق أن اعتقل في الإمارات- و أحمد قطناش، يتحدث عن دور الإمارات في بيع الكلام للغرب بشأن حقوق الإنسان فيما ترتكب انتهاكات لا حصر لها.
وأشار الكاتبان إلى أن الإمارات استضافت هذا الأسبوع حدثاً رفيع المستوى وصفه بأنه منتدى لتعزيز السلام في المجتمعات الإسلامية.
وعلى الرغم من أن “هناك حاجة ماسة إلى مثل هذا العمل، والعديد من الموضوعات التي يتناولها المنتدى في أبو ظبي حيوية. وهي تشمل تعزيز السلام، ومكافحة التطرف، وتعزيز ثقافة المواطنة وحماية حقوق الأقليات الدينية”، إلا أن الكاتبين تسألا “لكن هل حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة شريك مخلص في هذه الجهود؟ من حيث الإجراءات التي تقوم بها إذ تعتبر صوت أعلى من المؤتمرات، يجيب الكاتبان أن السلوك الحديث للبلد يروي قصة مختلفة.
لم تفعل حكومة الإمارات العربية المتحدة الكثير لتعزيز الاستقرار الإقليمي. منذ عام 2015، عملت بالتنسيق مع السعودية باعتبارها أحد الأطراف الرئيسية في الحرب الأهلية في اليمن. على الرغم من قرارها بسحب قواتها جزئيًا، فقد عبرت رسميًا عن “فخرها” فقط لدورها في أكبر كارثة إنسانية في العالم.
وأضاف المقال: أبعد من ذلك، تم ضبط دولة الإمارات لقيامها بتهريب المعدات العسكرية إلى أمير الحرب الليبي خليفة حفتر في انتهاك لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة بهدف قمع النزاع هناك. أبو ظبي هي أيضا المشتبه به الرئيسي في سلسلة من الغارات الجوية غير الموزعة في ليبيا والتي يمكن أن تصل إلى حد جرائم الحرب.
وتابع الكاتبان: كما أن أنه في عام 2013، كان قادة الإمارات من الداعمين الرئيسيين للانقلاب الذي أنهى الانتقال الديمقراطي في مصر وتُوِّج بمذبحة رابعة 2013 والسجن اللاحق لما يصل إلى ستين ألف مصري بتهم سياسية. يعتقد الرئيس التونسي السابق محمد منصف مرزوقي أنهم حاولوا أيضًا عرقلة الانتقال الديمقراطي في تونس. ولم يخفوا جهودهم الأخيرة لتخريب الحراك السوداني نحو الديمقراطية.
وبالقرب من محيطها الجغرافي “كانت دولة الإمارات محركًا رئيسيًا وراء أزمة قطر عام 2017، حيث قاموا (من جديد بالتنسيق الوثيق مع المملكة العربية السعودية) بقطع العلاقات من جانب واحد مع قطر، وطرد مواطنيها الذي أدى إلى تفكيك العائلات، وإنهاء العلاقات التجارية والاقتصادية وفرض الحصار على نحو فعال على الدوحة”.
وقال الكاتبان إلى أن الإمارات تتمتع بأحد أسوأ السجلات في العالم فيما يتعلق بحرية التعبير وحرية الصحافة. تخضع شبكة الإنترنت للرقابة الصارمة، حيث تمنع الوصول إلى العديد من منظمات حقوق الإنسان والالتماسات وحتى الأخبار. لا يقتصر الحظر على الوصول إلى المعلومات فحسب، بل إنه يخضع للتجريم أيضًا – كما رأينا في حالة طالب الدراسات العليا البريطاني ماثيو هيدجز. وقد قُبض عليه بتهمة التجسس، وتعرض للتعذيب وأُرغم على توقيع اعتراف قسري قبل أن تتدخل حكومته لتأمين الإفراج عنه.
وأبرز الكاتبان قيام الإمارات بتقييد النشاط المدني وتهاجم الحقوق السياسية بقسوة شديدة. نعلم ذلك بشكل مباشر: في عام 2014، تم اعتقال أحدنا (إياد البغدادي) بدون تهمة وطرده من البلد الذي عاش فيه طوال حياته. آخرون عانوا أسوأ.
ويشير الكاتبان إلى الأسوأ من ذلك: في عام 2017، تلقى ناصر بن غيث، خبير اقتصادي، عقوبة بالسجن لمدة 10 سنوات بسبب تعليقاته على تويتر. في عام 2018، حُكم على أحمد منصور، وهو ناشط حقوقي حائز على جوائز، بالسجن لمدة عشر سنوات بسبب منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي. في عام 2012، اعتقلت قوات الأمن الإماراتية 94 مواطناً وقعوا على عريضة تطالب بالإصلاحات؛ وحُكم عليهم بالسجن لفترات طويلة في محاكمات مغلقة. كما تم في وقت لاحق حبس أفراد الأسرة الذين انتقدوا العملية، وتم تجريد بعضهم من جنسيتهم فيما بعد.
يشير الكاتبان “قنطاش والبغدادي” إلى أن قمع الإمارات لنشاط المجتمع المدني يتجاوز حدودها. في عام 2018، وبالتنسيق مع النظام السعودي، اعتقلت الشرطة الإماراتية لوجين الهذلول، وهي ناشطة سعودية رائدة في مجال حقوق المرأة كانت تتجسس عليها، وأعادتها إلى موطنها. وبعد بضعة أسابيع، وُجهت إليها تهمة الخيانة. تقول تقارير من منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إنها تعرضت للتعذيب والاعتداء الجنسي.
وقال الكاتبان: مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تحاول قيادة دولة الإمارات لعب لعبة مزدوجة، وتشتت انتباه الغرب بالحديث عن الإسلام المعتدل في الوقت الذي تحارب بقوة ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء المنطقة”.
وتابعا: هذا ليس صدفة. كان الشيخ محمد بن زايد مرشدًا لمحمد بن سلمان. كلاهما يعملان على افتراض أن الحكومات الغربية حريصة جدًا على رؤية الإصلاح الأيديولوجي في المنطقة بحيث تكون الخدمة الشاقة كافية لتبديد المخاوف بشأن حقوق الإنسان.
وأكد الكاتبان أن هذا “الرجلان (بن زايد وبن سلمان) يحاولان شراء النفوذ”. وأشارا إلى أنه “يجب أن يكون صانعو السياسة الغربيون أكثر تميزًا ويطالبون بتغيير سلوكي حقيقي، وليس المنتديات والخطابات المزهرة”.
وأضاف المقال: نحن أيضًا نفهم تمامًا عواقب التطرف؛ تم وضع أحدنا على قائمة تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2016. نحيي جميع الجهود المبذولة لمكافحة التطرف والإرهاب. ومع ذلك، فنحن نعرف جيدًا أن الموت والدمار والقمع لا يغذيان إلا الإيديولوجيات المتطرفة”.
واختتم المقال بالقول: “عندما يرى الشباب العربي القادة الغربيين يتعاونون مع مضطهديهم، فإن هذا يغذي خيبة أملهم بالقيم الليبرالية. من خلال استغلال الإصلاح الديني بطريقة سيئة، ينتهي الأمر بالديكتاتوريين إلى نزع شرعية الإصلاح الديني عنه، ويجعل عمل الإصلاحيين الحقيقيين أكثر صعوبة.
إمارات ليكس