أهمية العملية الإنتاجية والاستهداف الأمريكي لاقتصاد البلدان العربية
ومعروفٌ في عصرنا هذا وفي زمننا هذا ما تبادر إليه أمريكا والغرب لاستهداف أي بلدٍ مسلم، وحتى أي بلدٍ آخر في العالم يختلف معهم، أو يستهدفونه لسببٍ أو لآخر، فمن أول الإجراءات، ومن أول أشكال الاستهداف: الحظر الاقتصادي، والاستهداف الاقتصادي بكل الأشكال، بكل الأساليب المتاحة أمامهم،
مثلاً: استهداف العملة، استهداف القدرة الشرائية للمجتمع، السعي للإضرار بالمجتمع في منتجاته… إلى غير ذلك، أساليب كثيرة يستخدمونها فيتحول الجانب الاقتصادي- بنفسه- إلى وسيلة أساسية من وسائل الصراع والاستهداف والضغط.
فلـــذلك مختلف البلدان يعتبرون الاحتياجات الضرورية والأساسية مما يدخل ضمن الأمن القومي، ويعتبر توفيره محلياً، وإنتاجه بما يكفي، بما يلبِّي الاحتياج، من الضروريات التي تساعد البلد على مواجهة أي تحديات، وتساعد البلد على الصمود، العملية الإنتاجية تساعد البلد على الصمود، والثبات، وتحفظ له استقلاله، يقف، ويصمد، ويصر على موقفه، أو يتمسك بحقه في الاستقلال، وهو لا يخشى أنهم سيجوِّعون شعبه، سيمنعون عنه الغذاء الضروري، سيلحقون به الضرر الكبير جدًّا.
وللأسف الشديد تضررت بلداننا العربية والإسلامية إلى حدٍ كبير عندما غابت عنها هذه النظرة، عن أهمية الحركة التجارية، والصناعية، والإنتاجية، والزراعية، واعتمدت بشكلٍ رئيسي وبشكلٍ أساسي على الاستيراد من البلدان التي تختلف معها، وتطمع فيها، وتستهدفها، ولها دوافع عدائية تجاهها، فكان لهذا تأثيره الخطير جدًّا.
فلــــذلك بالنظر إلى الأهمية: من حيث الضرورة المعيشية، ومن حيث الكرامة، والاستقلال، والحرية، والتخلص من التبعية، والتخلص من الابتزاز السياسي، والابتزاز والضغط في أشياء كثيرة؛ لأن الدول الغربية تبتز بلداننا العربية، وتضغط عليها من خلال الجانب الاقتصادي، لفرض سياسات، أو لفرض مواقف، أو للتقبل بأشياء هي مما يؤثر عليها، مما ليس لها فيه مصلحة حقيقية، مما لا ينسجم مع مبادئها الدينية والإيمانية، مما ينتقص من حقها في السيادة والاستقلال، مما ينتقص من كرامتها، فتصبح المسألة هامةً جدًّا:
بحساب الضرورة المعيشية، أهميتها واضحة.
وبحساب الجانب الاستقلالي، والحرية، والكرامة، والأمن القومي.
تعتبر أيضاً مسألةً مهمةً جدًّا بالاعتبارين؛ ولــــذلك يفترض أن يكون هناك توجه نشط في بلداننا للعناية بهذا الجانب على أسسٍ صحيحة، عندما نقرأ في القرآن الكريم، عندما نقرأ فيما ورد عن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” وفي سيرته المباركة، عندما نقرأ فيما قدَّمه لنا أمير المؤمنين عليٌّ “عليه السلام”، من ضمن ذلك ما ورد في هذه الوثيقة العظيمة والتاريخية والمفيدة جدًّا، في عهده لمالكٍ الأشتر، ندرك أهمية هذه المسألة، وكيف هو التحرك الصحيح فيها، الذي ينسجم مع مبادئنا، مع قيمنا، مع انتمائنا الإيماني، والذي يحقق الخير لنا، والذي يتميز عن غيره، فالحضارة الإسلامية لها مميزات راقية جدًّا، ترقى على بقية الحضارات، التي هي ذات منطلقات مادية بحتة، لا تعطي للجوانب الأخلاقية أي اعتبار ولا قيمة، هذا جانبٌ مهمٌ.
لأهمية المسألة يقول الإمام عليٌّ “عليه السلام” هنا:
((ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً))
اسْتَوْصِ بهم: ليكن عندك أنت اهتمام بأمرهم، وأيضاً مع اهتمامك الشخصي بموضوعهم، والعناية بأمرهم، أوصِ بهم كل المسؤولين الآخرين، الذين لهم علاقة بالحركة التجارية، والحركة الصناعية والإنتاجية، بحسب مسؤولياتهم، أوصهم كذلك، ((أَوْصِ بِهِمْ خَيْراً)).
عندما نلحظ هذا العنوان: ((خَيْراً))، عنوان واسع جدًّا، كم سيدخل تحته من التفاصيل، ونحن عندما نقرأ هذه الوثيقة العظيمة والمفيدة، نقدِّم قراءةً أوليةً مبسَّطةً مختصرة، وإلَّا فيمكن الاستفادة من عهد الإمام عليٍّ “عليه السلام” لمالكٍ الأشتر على نحوٍ واسعٍ جدًّا، ويمكن استدراك الكثير من التفاصيل بحسب الحاجة العملية، وبحسب المراحل، وبحسب التخصصات؛ إنما نقدِّم قراءةً مختصرةً، وعرضاً موجزاً؛ للفت النظر إلى هذه الوثيقة المهمة والاستفادة منها، إلى هذه الرؤية العظيمة، التي هي من نور القرآن، ومن هدي الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، ومن تعاليم الإسلام.
هذا العنوان: ((خَيْراً)) يدخل تحته أشياء كثيرة جدًّا، فنلحظ مثلاً مع أهمية السعي للنهضة التجارية أن تكون هذه مسألة حاضرة لدى المعنيين، أن يمتلكوا النظرة لأهمية المسألة، وخطورة التفريط فيها، وما يمثله ذلك من إشكاليات كبيرة في واقعنا؛ لأن الأعداء طوَّروا هم هذا الجانب، أعطوا هذا الجانب اهتماماً كبيراً جدًّا، لكن من منطلقاتهم الاستعمارية والمادية، لكنهم أعطوا هذا الجانب اهتماماً كبيراً، وسعوا لتطويره إلى حدٍ كبير، على العكس من واقعنا في العالم الإسلامي والبلدان العربية، كانت المسألة مختلفة في النظرة إلى هذا الجانب، إلى تطويره، إلى تقديم ما يساعد على نمائه.
الآخرون طوَّروا هذا الجانب، واستغلوه سياسياً، واستغلوه على مستوى الاستهداف الديني والأخلاقي، وسعوا إلى تشكيل شركات عملاقة عابرة للقارات، وسعوا إلى السيطرة من خلاله على البلدان، من خلال السيطرة الاقتصادية، فحرصوا على تعطيل الإنتاج والتصنيع المحلي في بلداننا العربية، وحرصوا أن يكونوا هم المستأثرين بالتصنيع، والمتحكمين في الحركة التجارية والأسواق، فحرصوا حتى على السيطرة على التجار، يحرصون على أن يسيطروا على التجار المحليين في هذا البلد أو ذلك، فيكون التاجر مجرد وكيل لهم، يجلب بضائعهم ومنتجاتهم إلى الأسواق، ويبيعها لهم، ويوفر إليهم الأموال، وحرصوا على تقوية العملية الإنتاجية، وتوسيعها، وتطويرها إلى حدٍ معروف يعني ما وصلوا إليه.
فسعيهم هذا لابدَّ أن يقابله اهتمام من جانبنا في بلداننا، عند شعوبنا، عند المسؤولين في بلداننا، أن يقابل هذا اهتمام، أن يلحظوا مدى اهتمام الآخرين بهذه المسألة، وأن يقابله اهتمام من نظرة ورؤية صحيحة لأهمية المسألة، وتجنب تام للحسابات الشخصية، والأطماع الشخصية، والمكاسب الشخصية؛ لأنها تؤثر على تعامل الإنسان مع الأمور المهمة، عندما يكون في موقع المسؤولية.
الدرس العاشر من محاضرات السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي من دروس عهد مالك الأشتر 1443 هـ -2022م