اليمن.. بين الوطنية والخيانة
عبد القوي السباعي
الوطن اليمني شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً، بكل تاريخه وحضارته، بكل هيئاته ومؤسّساته وبناهُ وبنيانه وإنجازاته وثرواته وخيراته، بكل أبناء شعبه وتراثهم ومورثهم، هو الأعمق والأشمل بكلمة وطن، لكن أن يصبح الوطن اليمني مُختزلاً فقط فيما يراه تحالف البغي والعدوان، وفيما تعبر عنه الأدوات التابعة له، وفيما تنعكس في تصريحات البعض من مُدعي الثقافة الوطنية، تنهار منظومة القيم الوطنية، وتصبح مُجَـرّدة الوصف، ومجزأة المعنى، عبارة عن أدوات وصور لا تعكس فقط عن ضعف انتمائهم للوطن، بل وتؤكّـد على تماهيهم في خيانتهم له.
طبعاً في المنظور المادي، كُـلّ شيء في هذه الحياة، قابل للمساومة وقابل للمتاجرة والبيع، إلا الأوطان لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال، أن تخضع للمساومة أَو البيع، فهي باقية ونحن المغادرون، وبالتالي فإن خيانة الوطن جريمة كبرى لا تُغتفر؛ كون المجني عليه هو الوطن.
كلّ عمل مُشين يمكن للمرء أن يجد مبرّراً لفاعله، إلا خيانة الوطن لا مبرّر لها ولا شفاعة لمرتكبها، مهما كانت منزلته ومهما كان السبب الذي يدفع لها، فهو أبداً لا يشفع أن تبيع وطنك وتتآمر عليه، لا شيء يمكن أن يُبرّر خيانتك في استدعاء الأجنبي، وفي الاشتراك معه في قتل أهلك وحصارهم وتجويعهم، وتدمير وطنك وحضارته.
الوطن بمنزلة العرض والشرف للإنسان، ومن هان عليه وطنه يهون عليه عرضه وشرفه، فأي قُبح هو فعل خيانة الوطن، فلا الدرهم الإماراتي ولا الريال السعوديّ ولا الدولار الأمريكي ولا اليورو الأُورُوبي، سيحقّق لهم الولاء والانتماء للوطن اليمني، والعجيب أن كُـلّ ما يسوقونه اليوم من صور وتراكيب وتصريحات إطارها الوطنية لكن باطنها الخيانة، بل الخيانة العظمى.
وإذا ما أجمعنا على أن الشخص الوطني هو من يخدم الوطن، فحرّيٌ بنا على أن نتّفق على أن أسمى وأكبر خدمة يمكن أن نقدمها للوطن هي حمايته والدفاع والذود عنه بالجسد والسلاح والمال، إلى جانب خدمته بنشر العلم والمعرفة والتوعية والتثقيف ونقله من قطعة جُغرافية، أَو جواز سفر من ورق، إلى نهضة وحضارة وثورة فكرية ثقافية تغزو العقول، حتى يعود اليمن إلى صدارته المعهودة، مستفيداً من ثرواته وخيراته، ونُصبح أُمَّـة مُنتجة تملك ما تملك من القوة والعزة والتمكين.
عُمُـومًا، كان من الضروري في هذا الإطار وضع الأمور في نصابها الصحيح، ولله الحمد والمنّة أن المواطن اليمني الذي عانى ويعاني من ويلات العدوان والحصار، بات قادراً على تحديد الشخصيات الوطنية حقاً، والشخصيات التي اتّخذت من الشعارات مطية للعبور على الوطنية، وتحقيق أهداف قوى الهيمنة والاستغلال الدولية والإقليمية، ولغايات شخصية متعلقة في نفسية جماعات الارتزاق والخيانة.