السعوديّةُ بينَ سقف صنعاء المرتفع وتطرُّف واشنطن الطامع
طالب الحسني
منذ أكثرَ من عام تجدُ السعوديّةُ صعوبةً بالغةً في الخروج من الحرب المكلفة في اليمن مع استمرار تباين خارطتها للانسحاب مع ما ترسُمُه الولايات المتحدة الأمريكية منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض.
فعلى الرغم من تلاقي الرغبة الأمريكية في تجميد الحرب وضمان استمرار تدفق الطاقة الخليجية التقليدية بالحاجة السعوديّة الإماراتية المشتركة في التهدئة، إلا أن رؤية الطرفين للخروج من الصراع ليست متشابهة، بل تبدو متباعدة إلى حَــدٍّ كبير.
الهُدنة الطويلة وحالة اللاحرب واللاسلم، جعلت الرياض وأبوظبي تدركان القيمة الفعلية من البقاء خارج التهديد التي تمثله اليمن، بالتالي مزيد من الأرباح الاقتصادية التي من شأنها أن تعوض خسائر السنوات السبع الماضية، فحسب توقعات تتعلق بالإنفاق العسكري السعوديّ والإماراتي في حرب اليمن، فَـإنَّ البلدين وفرا مليارات الدولارات خلال عام مع ارتفاع أسعار الوقود، هذا العامل الاقتصادي وحدَه مشجِّعٌ، إضافة إلى عوامل أُخرى بينها اليقين بأن الحرب لا تسير في الاتّجاه الصحيح على الأقل لجهة الطموح الذي كان مرجوّاً عند بدء الحرب في العام 2015.
أتطرقُ إلى المستجدات التي طرأت في سلوك الرياض تجاه صنعاء خلال عام من بينها تبادل (وفود تفاوضية مباشرة) فهذا مبحث مستقل، إذ إنني سأركّز حول عدم قدرة السعوديّة على تقديم تصور للخروج من الحرب يرضي واشنطن وصنعاء على حَــدّ سواء، خَاصَّة أنها واقعة بين مسارين متضادين تماماً، سقف صنعاء المرتفع، وتمسك واشنطن المتطرف بالحصول على تنازلات لصالح الأطراف المحلية اليمنية الموالية للتحالف من ضمنها السماح بتصدير النفط من موانئ حضرموت وشبوة شرق جنوب اليمن وعدم تعرض صنعاء للشركات والسفن التي تنفذ عملية التصدير، وهي إحدى النقاط الجدلية في عدم تمديد الهدنة رسميًّا رغم سريانها دون اتّفاق.
التباين السعوديّ والأمريكي برز عمليًّا منذ 5 أشهر، فالرياض ترسل وفوداً “سرية” إلى صنعاء وتعرض تسهيلات وتفكيك أوسع للحصار دون أن تضع شروطاً أكثر من وقف العمليات العسكرية بين الطرفين، والحفاظ على سرية الاتّفاق، بينما تشترط الولايات المتحدة الأمريكية حصول “حكومة العليمي” على عائدات النفط وإسنادها تسليم رواتب الموظفين بكشوفات وميزانية 2014، وهذا يعني استمرار بقاء الحصار الاقتصادي المفروض على حكومة صنعاء، مقابل توسيع الرحلات الجوية التجارية من مطار صنعاء الدولي وتوسيع أعداد السفن التي تصل موانئ الحديدة غرب اليمن.
وبين الرؤيتين السعوديّة والأمريكية تسير المفاوضات التي تتوسط فيها سلطنة عمان بخطوات بطيئة وتستنزف الوقت فيما تسميها بناء الثقة التي تقسمها إلى مراحل، على أن هذه تجري دون ضمانات وتتعلق فقط وفقط بتمديد الهدنة لستة أشهر إضافية وربما حتى نهاية العام الجاري 2023.
في الحالات الثلاث، تقطف صنعاء مزيداً من الثمار، فهي تفكك الحصار، المعركة التي تجد أنها الأكثر أهميّة وتعقيداً وهي أَيْـضاً تثبت سياسيًّا أنها الأقدر على إدارة الدولة وانتزاع السيادة وتحقيق الندية وبالتالي تستقطب مزيداً من العائدين من معسكر التحالف، وعلاوة على ذلك تستعد عسكريًّا مستفيدة من الوقت في ظروف ملائمة أكثر من أي وقت مضى.
ما يزيد هذه الثمار التي تقطفها صنعاء نضوجاً، أن واقع أدوات التحالف السعوديّ الأمريكي الأكثر بؤساً منذ بدء الحرب، فإلى جانب الصراع والتباين والانقسامات المُستمرّة، وهو الداء التي أُصيبت به منذ سنوات، هي أَيْـضاً أشبه بالمحاصرة اقتصاديًّا منذ أن قطع عنها واردات النفط والغاز؛ بسَببِ تهديد صنعاء باستهداف أية شركة أَو سفينة تقترب من موانئ حضرموت وشبوة النفطية كجزء من أوراق الضغط القوية التي فرضتها منذ ما يقرب من نصف عام.