خطأ “إسرائيل” بالاستيلاء على الغجر اللبنانية.. هل تُشعل “جرافة” حرباً كبرى؟
ترتفع حدّة التوترات بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة بعدما أقدم الأخير على انتهاك القسم اللبناني من بلدة الغجر الحدودية، ما أعاد إلى الواجهة ملف هذه البلدة وتقسيمها الحدودي.
“أحد الأماكن الوحيدة في الشرق الأوسط، التي يمكن لإطلاق النار على جرافة، أن يؤدي فيها إلى تدهور إقليمي، هو في قرية الغجر.. التي ضُمت إلى إسرائيل خطأً”- الصحافي الإسرائيلي أليكس فيشمان عام 2008
ارتفعت حدّة التوترات بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي، في الآونة الأخيرة، وذلك بعدما أقدم الأخير على انتهاك القسم الشمالي من بلدة الغجر الحدودية باتخاذه إجراءات خطيرة تمثّلت في إنشاء سياج شائك وبناء جدار إسمنتي حول كامل البلدة، شبيه بما تقوم به على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.
هذا الأمر لاقى تنديداً لبنانياً، باعتبار أنّ السياج الجديد هذا ضمّ كامل الجزء الشمالي اللبناني من بلدة الغجر المحتلة إلى الأراضي السورية المحتلة. وبذلك، باتت الغجر كاملة تحت الاحتلال الإسرائيلي وخارج السيادة اللبنانية، في خطوةٍ فصلت البلدة عن محيطها الطبيعي التاريخي داخل الأراضي اللبنانية، وأخضعتها للإدارة الإسرائيلية بالتوازي مع فتح القرية أمام السواح القادمين من داخل كيان الاحتلال.
المقاومة الإسلامية في لبنان – حزب الله ردت سريعاً من خلال موقع عسكري مكون من عدة خيام داخل مناطق مزارع شبعا، في مواجهة الاستفزازات والانتهاكات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية، وسارعت “إسرائيل” إلى توجيه شكوى إلى الأمم المتحدة، محذرةً من أنّها ستستخدم القوة العسكرية لإخلاء الموقعين، فيما أكّد الحزب أنّ “لا أحد يمكنه أن يفرض عليه أي شيء”، وهدد “إسرائيل” بالرد إن أقدمت على استهداف الخيام، التي يُعدّ نصبها “حقّاً لبنانياً”.
هذه التطورات أعادت إلى الواجهة ملف بلدة الغجر وتقسيمها الحدودي، وهي البلدة التي عايشت الكثير من الظروف بين تقسيم وتهجير واحتلال ومقاومة، منذ عام 1967 إلى يومنا هذا، لكون موقعها الهام واستراتيجي، بتشكيلها نقطة الالتقاء الحدودية الثلاثية بين لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة، ولذلك، يصفها الاحتلال بـ “الثغرة الأمنية”.
بلدة “الغجر” وتقسيمها الجغرافي
الغجر هي خامس قرى الجولان المحتل، يبلغ عدد سكانها نحو 3000 نسمة على مساحة تبلغ نحو 500 دونم، وتقسم إلى الحارة الجنوبية القديمة التي تبلغ مساحتها 100 دونم، وتقع ضمن الحدود السورية، أمّا الحارة الشمالية المقامة على 400 دونم شمال “الخط الأزرق” فتُعدّ لبنانية، لكن مساحتها اليوم توسّعت لتصبح أكبر مما كانت عليه، إذ تمدّد العمران فيها نحو الجزء اللبناني بشكل كبير، وبات هذا الجزء موطناً للعدد الأكبر من سكّان البلدة.
وتقع القرية على الجهة الشرقية لنهر الحاصباني، والسفوح الغربية لجبل الشيخ، كما أنها ترتفع نحو 310 أمتار عن سطح البحر، تحدّها من الشرق أراضي قرية النخيلة وجبل الشيخ، ومن الغرب نهر الحاصباني بطول 5 كيلومترات، ومن الجنوب أراضي شوقا الفلسطينية، أمّا من الشمال فتحدها أراضي قريتي المجيدية والماري اللبنانيتين. ويُعدّ موقعها استراتيجياً بسبب قربها من بانياس والحولة، إلى جانب نبع الوزاني الذي يجري دائماً في مجرى الحاصباني.
وتُعدّ قرية الغجر من ناحية التوسّع العمراني، قرية مميزة ونموذجية، فبيوت هذه البلدة تتوزّع على مساحات من مربعات متقاطعة، بحيث تتوافر فيها مختلف البنى التحتيّة والمستلزمات المعيشية، بدءاً من شبكات المياه وعدّاداتها والكهرباء والهاتف، ومستوعبات النفايات، ووصولاً إلى مؤونة الشتاء.
“الغجر”.. بلدة المثلث الحدودي
جرى تقسيم بلدة “الغجر” إلى قسمين بتسوية بين لبنان والأمم المتحدة بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000، بناءً على تحقيقات تاريخية وميدانية أثبتت أنّ ثلثي أرضها لبنانيّين، يملكهما أبناء الغجر، بعدما بنوا عليهما بيوتاً في أعقاب عدوان 1967. وعُرف الخطّ الفاصل بين القسم الجنوبي التابع للأراضي السورية المحتلة، والقسم الشمالي التابع للأراضي اللبنانية بـ”الخط الأزرق” أو خط الانسحاب.
وجرى الاتفاق آنذاك على أنّ الخطّ لبنانياً وسورياً، ما مهّد الطريق إلى تفاهم لبناني – دولي بشأن هذه البلدة يقضي بألّا تدخل “إسرائيل” إلى الأراضي اللبنانية منها، فتكون بحكم المحررة، ولا يُطالب لبنان بفصل المحرّر عن المحتلّ لنواحٍ إنسانية، ولا يقطع عنها مياه الوزاني التي ترويها، لحقّها في شرب المياه منه.